لم يمنع سيدة الأعمال الماليزية مركزها الاجتماعي من الجلوس من جديد على مقاعد الدرس، مثل كثير من الماليزيين غيرها الذين يرون في اللغة العربية صلتهم بدينهم، وإن كان دور العرب غائبا في مساعدتهم رغم الصلات الاقتصادية العديدة التي بدأت تربطهم بهم
.
إنها داتين تنكو نور عزيزة التي بدأت تعلم اللغة العربية منذ نحو عقدين، وتعود الآن للدراسة لا طلبا لمرتبة علمية, وإنما لفهم ما تقرؤه من القرآن الكريم وتفاسيره، ولتنهل من المكتبة العربية حتى تعرف أمور دينها.
في الآونة الأخيرة انضمت هذه السيدة التي يدل لقبها تنكو على أنها تنحدر من أصول ملكية، إلى دورة تعليمية في الأردن لمدة شهر نظمها أحد المراكز الخاصة لطلابه.
وعبرت عزيزة في حديثها للجزيرة نت عن سعادتها الغامرة بمشاركتها في تلك الدورة التي اعتبرتها أسلوبا متطورا للتعليم, يخرج عن الأساليب التقليدية المعتمدة في تعليم العربية بماليزيا
إقبال متزايد
ويجمع المهتمون بتدريس اللغة العربية في ماليزيا, على أن هناك إقبالا متزايدا على تعلم العربية في جميع المستويات العمرية والاجتماعية.
ويبدو أن الدافع الديني يحتل الموقع الأهم في تفسير هذه الظاهرة, كما يوضح الدكتور محمود عبدول رئيس جمعية اللغة العربية في ماليزيا, الذي نوه أيضا إلى اهتمام الكل حتى السياسيين بتعلم العربية, معللا ذلك برغبة الشعب في سماع الآيات والأحاديث النبوية في خطابات هؤلاء السياسيين.
وتشكل اللغة العربية مصدر افتخار لمن يتقنها من الماليزيين على اعتبار أنها تمثل ظل الإسلام, الذي يعد القالب والحاضن للهوية القومية لعرق الملايو.
وكما أن باقي الأعراق بماليزيا في غالبها تتقن ثلاث لغات، لغتها الأم والإنجليزية والمالايوية, فقد وجد المالايويون ضالتهم في العربية لتشكل بالنسبة لهم رأس المثلث, كما يقول خالد بني عمر وهو أردني مدير لأحد المراكز المتخصصة في تدريس العربية.
ويمكن اعتبار الانفتاح الماليزي على الدول العربية, وإقبال العرب على هذا البلد في مجالات السياحة والدراسة والتجارة، خصوصا بعد أحداث سبتمبر دافعا آخر لتعلم العربية.
حتى التجار الماليزيين من أصول صينية يجدون دافعا من هذا الباب لتعلم العربية، خاصة أن عددا من الوظائف تتطلب معرفة باللغة العربية كقطاع البنوك الإسلامية والترجمة والخدمات السياحية.
وقد أصبح للعربية نصيبها في جهاز المناداة على الرحلات في المطار، كما يلحظ القادم وجود لافتات باللغة العربية, إذ تستقبل ماليزيا نحو مليون زائر عربي سنويا.
وأمام هذا الإقبال المتزايد على العربية عمدت معظم الجامعات الماليزية إلى فتح أقسام للغة العربية, إضافة إلى وجود مساقات إلزامية في كليات العلوم الشرعية ومدارسها الثانوية.
كما أن وزارة الشؤون الدينية تبعث آلافا من الطلاب لتعلم العربية في بلاد العرب, ويوجد في مصر وحدها نحو سبعة آلاف طالب ماليزي كما يقول الدكتور عبدول.
تأثر الماليزية بالعربية
مع دخول الإسلام إلى ماليزيا, تأثرت اللغة المالايوية بالعربية بشكل كبير، تجلى في استخدام الحرف العربي بدل الرموز التي كانت مستخدمة في الكتابة المالايوية, حيث استخدم الماليزيون الكتابة العربية في شكلها المعروف بالخط الجاوي نسبة إلى جزيرة جاوا الإندونيسية التي منها انتشر الإسلام في الأرخبيل المالايوي.
ويكاد نصف مفردات اللغة المالايوية يكون ألفاظا عربية مع تحريف بسيط كما يقول الدكتور عبدول، إذ دخلت المصطلحات الدينية العربية إلى المالاوية دون تغيير, كألفاظ العبادات والمعاملات والمناسبات الدينية.
ويضرب عبدول لذلك عدة أمثلة كقولهم "معاف لاهر باتين" وتعني العفو في الظاهر والباطن, و"أبا خبر" بمعنى كيف حالك, "ديوان بيروكيلن رعية" وتعني ديوان وكلاء الرعية "البرلمان", وغيرها من المفردات.
تحديات وتقصير عربي
أما المعوقات التي تواجه العربية في ماليزيا فأهمها قدم المناهج المتوفرة لدى المعاهد، وضعف طرق التدريس, إضافة إلى عدم توفر فترات زمنية طويلة لممارسة ما تم تعلمه كما أوضح عدد من طلاب أحد المراكز التي زارتها الجزيرة نت.
ويرى الدكتور عبدول أن تقصير العرب تجاه لغتهم يعتبر واحدا من أهم التحديات التي تواجه نشر لغة القرآن في هذا البلد من بلاد المسلمين, إذ لا يوجد أي مركز ثقافي يتبع لأي سفارة من الدول العربية يهتم بنشر اللغة العربية رغم الشغف الماليزي بها سوى مركز واحد يتبع للسفارة الليبية.
وأشار إلى أن الجهود العربية لنشر العربية جهود فردية، مذكرا بما قام به الدكتور المصري محمد تقي الدين قنديل الذي زار ماليزيا قبل الاستقلال واستقر فيها حتى وفاته في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
فقد كان هدفه الأول خلال وجوده فيها هو تعليم العربية, وكان يقول "ليس لدى العرب في هذا العصر ما يقدمونه لغيرهم غير اللغة, فإذا تعلم المسلمون العربية تعلموا دينهم".